فصل: باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ

مساءً 1 :39
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ

الشرح‏:‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ثبتت هذه الترجمة للأكثر، وسقطت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وثبوتها أوجه إذ لا تعلق لحديثها بباب عدة أهل بدر، وثبت لغير أبي ذر عقب حديثها ‏"‏ باب قتل أبي جهل بن هشام ‏"‏ وسقط لأبي ذر، وهو أوجه لأن فيه ذكر هلاك غير أبي جهل فهو لائق بالترجمة المذكورة، والله أعلم‏.‏

وعلى هذا فقد اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن نمير‏)‏ هو محمد بن عبد الله بن نمير؛ ولم يدرك البخاري أباه، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، والإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه أتى أبا جهل‏)‏ وبه رمق، كأن أبا جهل قد ضرب في المعركة بالسيوف حتى خر صريحا كما سيأتي بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو جهل هل أعمد‏)‏ في الكلام حذف تقديره فكلمه أي بكلام تشفى منه فأجابه بذلك، ووقع بيان دلك في رواية عمرو بن ميمون عند الطبراني عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ أدركت أبا جهل يوم بدر صريعا، فقلت أي عدو الله قد أخزاك الله قال‏:‏ وبما أخزاني من رجل قتله قومه ‏"‏ الحديث وهذا تفسير المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ هل أعمد من رجل قتله قومه ‏"‏ وأعمد بالمهملة أفعل تفضيل من عمد أي هلك، يقال عمد البعير يعمد عمدا بالتحريك إذا ورم سنامه من عض القتب فهو عميد، ويكنى بذلك عن الهلاك، وقيل‏:‏ هو أن يكون سنامه وارما فيحمل عليه الشيء الثقيل فيكسره فيموت فيه شحمه، وقيل معنى أعمد أعجب، وقيل‏:‏ بمعنى أغضب، وقيل‏:‏ معناه هل زاد على سيد قتله قومه قاله أبو عبيدة‏.‏

قال‏:‏ وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب أعمد من كل محق أي هل زاد على مكيال نقص كيله، وأنشد ذلك‏:‏ وأعمد من قوم كفاهم أخوهم صدام الأعادي حين قلت بيوتها أي لا زيادة على فعلنا فإننا كفينا إخواننا أعاديهم‏.‏

وفي ‏"‏ مغازي أحمد بن محمد بن أيوب ‏"‏ قلت لابن إسحاق‏:‏ ما أعمد من رجل‏؟‏ قال‏:‏ يقول هل هو إلا رجل قتلتموه‏.‏

ورجح السهيلي الأول‏.‏

ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع في حديث أنس بعده بلفظ ‏"‏ وهل فوق رجل قتلتموه ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني في حديث ابن مسعود ‏"‏ أغدر ‏"‏ بدل أعمد فإن ثبت فلا إشكال فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أنسا حدثهم قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وقع في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي أن أنسا سمعه من ابن مسعود ولفظه عن أنس ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر‏:‏ من يأتينا بخبر أبي جهل‏؟‏ قال - يعني ابن مسعود - فانطلقت، فإذا ابنا عفراء قد اكتنفاه فضرباه، فأخذت بلحيته ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلق ابن مسعود‏)‏ وفي رواية ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ فقال ابن مسعود أنا، فانطلق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنا عفراء‏)‏ هما معاذ ومعوذ كما سيأتي بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى برد‏)‏ بفتح الموحدة والراء أي مات، هكذا فسروه، ووقع في رواية السمرقندي في مسلم ‏"‏ حتى برك ‏"‏ بكاف بدل الدال أي سقط، وكذا هو عند أحمد عن الأنصاري عن التيمي، قال عياض‏:‏ وهذه الرواية أولى، لأنه قد كلم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلمه‏؟‏ انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ حتى برد ‏"‏ أي صار في حالة من مات، ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح، فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه، ومنه قولهم للسيوف بوارد أي قواتل، وقيل لمن قتل بالسيف برد أي أصابه متن الحديد لأن طبع الحديد البرودة، وقيل‏:‏ معنى قوله برد أي فتر وسكن، يقال جد في الأمر حتى برد أي فتر، وبرد النبيذ أي سكن غليانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتلتموه، أو رجل قتله قومه‏)‏ شك من الراوي، بينه ابن علية عن سليمان التيمي وأن الشك من التيمي كما سيأتي في أواخر الغزوة‏.‏

وفيه من الزيادة ‏"‏ قال سليمان - أي التيمي - قال أبو مجلز ‏"‏ هو التابعي المشهور ‏"‏ قال أبو جهل‏:‏ فلو غير أكار قتلني ‏"‏ هذا مرسل والأكار بتشديد الكاف الزراع، وعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ لو غيرك كان قتلني ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنت أبا جهل‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي وحده ‏"‏ أنت أبو جهل ‏"‏ والأول هو المعتمد في حديث أنس هذا، فقد صرح إسماعيل بن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس، وسيأتي ذلك في أواخر غزوة بدر ولفظه ‏"‏ فقال أنت أبا جهل ‏"‏ قال ابن علية قال سليمان‏:‏ هكذا قالها أنس، قال‏:‏ ‏"‏ أنت أبا جهل ‏"‏ انتهى‏.‏

وقد أخرجه ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم عن محمد بن المثني شيخ البخاري فيه فقال فيه ‏"‏ أنت أبو جهل ‏"‏ وكأنه من إصلاح بعض الرواة، وكذلك نطق بها يحيى القطان أخرجه الإسماعيلي من طريق المقدمي عن يحيى القطان عن التيمي فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏"‏ قال أنت أبا جهل ‏"‏ قال المقدمي‏:‏ هكذا قالها يحيى القطان‏.‏

وقد وجهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة في كل حالة كقوله‏:‏ ‏"‏ إن أباها وأبا أباها ‏"‏ وقيل‏:‏ هو منصوب بإضمار أعني، وتعقبه ابن التين بأن شرط هذا الإضمار أن تكثر النعوت‏.‏

وقال الداودي‏:‏ كأن ابن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له، وما أبعد ما قال، وقيل‏:‏ إن قوله أنت مبتدأ محذوف الخبر، وقوله أبا جهل - منادي محذوف الأداة، والتقدير أنت المقتول يا أبا جهل، وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه لأنه كان يؤذيه بمكة أشد الأذى‏.‏

وفي حديث ابن عباس عند ابن إسحاق والحاكم ‏"‏ قال ابن مسعود‏:‏ فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه فقلت‏:‏ أخزاك الله يا عدو الله، قال‏:‏ وبما أخزاني‏؟‏ هل أعمد رجل قتلتموه ‏"‏ قال وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له‏:‏ ‏"‏ لقد ارتقيت يا رويع الغنم مرتقى صعبا ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو‏؟‏ فحلف له ‏"‏ وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه ‏"‏ فحلف له، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال‏:‏ الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله ‏"‏ ثلاث مرات‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَتَبْتُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي بَدْرٍ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنَيْ عَفْرَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان‏)‏ هو التيمي المذكور قبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أنس بن مالك نحوه‏)‏ قد ساق ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم لفظه فأخرجه عن محمد من المثني شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فقال ابن مسعود أنا يا نبي الله ‏"‏ وقال فيه‏:‏ ‏"‏ قال فأخذت بلحيته ‏"‏ والباقي مثله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ قال فأخذت بلحيته ‏"‏ يؤيد الرواية الماضية للإسماعيلي من طريق يحيى القطان، فإن أنسا أخذه عن ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتبت عن يوسف بن الماجشون‏)‏ ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه، وقد تقدم في الخمس مطولا عن مسدد عن يوسف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح بن إبراهيم عن أبيه‏)‏ هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جده في بدر‏)‏ أي في قصة غزوة بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعني حديث ابني عفراء‏)‏ أي الحديث المقدم ذكره في الخمس عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بهذا الإسناد مطولا، وسيأتي في ‏"‏ باب شهود الملائكة بدرا ‏"‏ من وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ملخصا، وحاصله أن كلا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف فدلهما عليه فشدا عليه فضرباه حتى قتلاه، وفي آخر حديث مسدد ‏"‏ وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال‏:‏ كلاكما قتله، وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ‏"‏ انتهى‏.‏

وعفراء والدة معاذ، واسم أبيه الحارث، وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه تغليبا، ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضا تسمى عفراء أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه، وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس، قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال‏:‏ قال معاذ بن عمرو بن الجموح‏:‏ سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة‏:‏ أبو جهل بن الحكم لا يخلص إليه، فجعلته من شأني فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي ‏"‏ قال‏:‏ ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان‏.‏

قال‏:‏ ومر بأبي جهل معوذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق، ثم قاتل معوذ حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق ‏"‏ فذكر ما تقدم‏.‏

فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا حتى طرحاه، وابن إسحاق يقول‏:‏ إن ابن عفراء هو معوذ، وهو بتشديد الواو، والذي في الصحيح معاذ وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ ابن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود، فتجمع الأقوال كلها، وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق، وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح، وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه، والله أعلم‏.‏

وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة أن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو، وظن عبد الله أنه ثبت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بيضة أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه، فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيْ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قَالَ هُمْ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْحَارِثِ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ

الشرح‏:‏

حديث علي وأبي ذر في المبارزة، أورده من طرق‏.‏

وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد، تابعي وكذا شيخه والراوي عنه - وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام، وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر، والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما، ويدل عليه اختلاف السياقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من يجثو‏)‏ بالجيم والمثلثة أي يقعد على ركبتيه مخاصما، والمراد بهذه الأولية تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة، لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قيس‏)‏ هو ابن عباد المذكور، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيهم أنزلت‏)‏ هكذا وقع في رواية معتمر بن سليمان عن أبيه مرسلا، ووقع في رواية يوسف بن يعقوب بعدها عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس قال‏:‏ ‏"‏ قال علي‏:‏ فينا نزلت ‏"‏ وسيأتي في تفسير الحج أن منصورا رواه عن أبي هاشم عن أبي مجلز فوقفه عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَزَلَتْ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ

الشرح‏:‏

حديث علي وأبي ذر في المبارزة، أورده من طرق‏.‏

وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد، تابعي وكذا شيخه والراوي عنه - وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام، وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر، والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما، ويدل عليه اختلاف السياقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في ستة من قريش‏)‏ يعني ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف‏:‏ اثنين من بني هاشم، وواحد من بني المطلب‏.‏

وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏علي وحمزة‏)‏ أي ابن عبد المطلب بن هاشم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشيبة بن ربيعة‏)‏ أي ابن عد شمس، وعتبة هو أخوه، والوليد بن عتبة ولده‏.‏

ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين‏.‏

وذكر ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم، فبرز عبيدة لعتبة، وحمزة لشيبة، وعلي للوليد‏.‏

وعند موسى بن عقبة‏:‏ برز حمزة لعتبة، وعبيدة لشيبة، وعلي للوليد‏.‏

ثم اتفقا فقتل علي الوليد، وقتل حمزة الذي بارزه، واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء، ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله‏.‏

وعند الحاكم من طريق عبد خير عن علي مثل قول موسى بن عقبة، وعند الأسود عن عروة مثله‏.‏

وأورد ابن سعد من طريق عبيدة السلماني أن شيبة لحمزة وعبيدة لعتبة وعليا للوليد، ثم قال الليث‏:‏ إن عتبة لحمزة وشيبة لعبيدة ا هـ‏.‏

قال بعض من لقيناه‏:‏ اتفقت الروايات على أن عليا للوليد، وإنما اختلفت في عتبة وشيبة أيهما لعبيدة وحمزة، والأكثر على أن شيبة لعبيدة‏.‏

قلت‏:‏ وفي دعوى الاتفاق نظر، فقد أخرج أبو داود من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال‏:‏ ‏"‏ تقدم عتبة وتبعه ابنه وأخوه، فانتدب له شباب من الأنصار، فقال‏:‏ لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة‏.‏

فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة ‏"‏ قلت‏:‏ وهذا أصح الروايات، لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور وهو اللائق بالمقام، لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة، بخلاف علي والوليد فكانا شابين‏.‏

وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن علي قال ‏"‏ أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة، فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علينا ‏"‏ وهذا موافق لرواية أبي داود، فالله أعلم‏.‏

وفي الحديث جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها كالحسن البصري‏.‏

وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق للجواز إذن الأمير على الجيش، وجواز إعانة المبارز رفيقه، وفيه فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي سَدُوسَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يوسف بن يعقوب كان ينزل في بني ضبيعة‏)‏ بالمعجمة والموحدة مصغر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو مولى لبني سدوس‏)‏ قلت‏:‏ ولذلك كان يقال له السدوسي تارة والضبعي تارة، وكان يقال له السلعي بمهملتين ولام ساكنة وقد تحرك ويقال له أيضا صاحب السلعة نسب إلى سلعة كانت بقفاه، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فينا نزلت هذه الآية‏:‏ هذان خصمان اختصموا في ربهم‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وأورده الإسماعيلي عن ابن صاعد عن هلال بن بشر عن يوسف بن يعقوب المذكور بلفظ ‏"‏ فينا نزلت هذه الآية، وفي مبارزتنا يوم بدر ‏"‏ وأخرجه من وجه آخر عن سليمان التيمي بلفظ ‏"‏ في الذين برزوا يوم بدر في الفريقين ‏"‏ وسماهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْسِمُ لَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ فِي هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله في طريق وكيع عن سفيان ‏(‏في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه‏)‏ الضمير يعود إلى سياق قبيصة عن سفيان، ويوضح ذلك ما أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن وكيع، فإنه ذكر الباب هنا وزاد تسمية الستة، وعنده من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الذين اختصموا في يوم بدر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ زاد أبو ذر في روايته ‏"‏ الدورقي ‏"‏ الحديث السابع‏:‏ حديث البراء بن عازب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا قَالَ بَارَزَ وَظَاهَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إسحاق بن منصور السلولي‏)‏ وإبراهيم بن يوسف هو ابن أبي إسحاق السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سأل رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشهد‏)‏ بهمزة الاستفهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبارز وظاهر‏)‏ بلفظ الفعل الماضي فيهما، وقد تقدم حديث المبارزة في الذي قبله، وقوله‏:‏ ‏"‏ ظاهر ‏"‏ أي لبس درعا على درع، وقوله في الجواب ‏"‏ قال بارز وظاهر ‏"‏ فيه حذف تقديره‏:‏ قال نعم شهد، فإنه بارز فيها وظاهر‏.‏

ووقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ أشهد علي بدرا‏؟‏ قال حقا‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حديث البراء هذا من مراسيل الصحابة لأنه لم يشهد بدرا، فكأنه تلقى ذلك عمن شهدها من الصحابة أو سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأسود‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه قرأ والنجم‏)‏ تقدم الكلام عليه في سجود القرآن وفي المبعث، ويأتي في تفسير سورة النجم التصريح بأن المراد بقول ابن مسعود ‏"‏ فلقد رأيته بعد قتل كافرا ‏"‏ أمية بن خلف، وبه يعرف مناسبته للترجمة‏.‏

الحديث‏:‏

أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ قَالَ إِنْ كُنْتُ لَأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا قَالَ ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا عُرْوَةُ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِيهِ قُلْتُ فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ صَدَقْتَ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ قَالَ هِشَامٌ فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه‏)‏ تقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام أن الضربات الثلاث كن في عاتقه، وكذا هو في الرواية التي بعد هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصابعي فيها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فيهن ‏"‏ زاد في المناقب وفي الرواية التي بعدها ‏"‏ ألعب وأنا صغير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك‏)‏ في رواية ابن المبارك أنه ضرب يوم اليرموك ضربتين على عاتقه وبينهما ضربة ضربها يوم بدر، فإن كان اختلافا على هشام فرواية ابن المبارك أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا، وإلا فيحتمل أن يكون فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا فيجمع بذلك بين الخبرين‏.‏

ووقعة اليرموك كانت أول خلافة عمر بين المسلمين والروم بالشام سنة ثلاث عشر وقيل‏:‏ سنة خمسة عشر، ويؤيد الأول قوله في الحديث الذي بعده إن سن عبد الله بن الزبير كان عشر سنين، واليرموك - بفتح التحتانية وبضمها أيضا وسكون الراء - موضع من نواحي فلسطين، ويقال إنه نهر، والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الواقعة المشهورة، وقتل في تلك الوقعة من الروم سبعون ألفا في مقام واحد، لأنهم كانوا سلسلوا أنفسهم لأجل الثبات، فلما وقعت عليهم الهزيمة قتل أكثرهم، وكان اسم أمير الروم من قبل هرقل باهان أوله موحدة ويقال ميم، وكان أبو عبيدة الأمير على المسلمين يومئذ، ويقال إنه شهدها من أهل بدر مائة نفس والله أعلم‏.‏

قوله في الرواية الأولى ‏(‏قال عروه وقال لي عبد الملك إلخ‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة، فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج ما وجده له فأرسل به إلى عبد الملك، فكان من ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه، وخرج عروة إلى عبد الملك بن مروان بالشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلة‏)‏ بفتح الفاء ‏(‏فلها‏)‏ بضم الفاء، أي كسرت قطعة من حده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال صدقت، بهن فلول من قراع الكتائب‏)‏ هذا شطر من بيت مشهور من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني وأولها‏:‏ كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب يقول فيها‏:‏ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وهو من المدح في معرض الذم، لأن الفل في السيف نقص حسي، لكنه لما كان دليلا على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال هشام‏)‏ هو ابن عروة وهو موصول أيضا، وقوله‏:‏ ‏"‏ فأقمناه ‏"‏ أي ذكرنا قيمته، تقول قومت الشيء وأقمته أي ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخذه بعضنا‏)‏ أي بعض الورثة، وهو عثمان بن عروة أخو هشام، وقوله‏:‏ ‏"‏ ولوددت إلخ ‏"‏ هو من كلام هشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني فروة‏)‏ هو ابن مغراء بفتح الميم وسكون المعجمة ممدود، وعلي هو ابن مسهر، وهشام هو ابن عروة‏.‏

وقوله محلى بالمهملة وتشديد اللام من الحلية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ فَقَالَ إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ فَقَالُوا لَا نَفْعَلُ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ عُرْوَةُ كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ قَالَ عُرْوَةُ وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الثانية‏:‏ ‏"‏ ألا تشد ‏"‏ بضم المعجمة أي تحمل على المشركين، وقوله‏:‏ ‏"‏ كذبتم ‏"‏ أي اختلفتم، وقوله‏:‏ ‏"‏ فجاوزهم وما معه أحد ‏"‏ أي من الذين قالوا له ألا تشد فنشد معك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فأخذوا ‏"‏ أي الروم ‏"‏ بلجامه ‏"‏ أي بلجام فرسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين‏)‏ هو بحسب إلغاء الكسر، وإلا سنه حينئذ كان على الصحيح اثنتي عشرة سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووكل به رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه فجعل معه رجلا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال، وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروه عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنه كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم، وقوله‏:‏ ‏"‏ يجهز ‏"‏ بضم أوله وبجيم وزاي أي يكمل قتل من وجده مجروحا، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمْ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع روح بن عبادة‏)‏ أي أنه سمع، ولفظة ‏"‏ أنه ‏"‏ تحذف خطا كما حذفت قال من قوله حدثنا سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر لنا أنس بن مالك‏)‏ فيه تصريح لقتادة وهو من رواية صحابي عن صحابي‏:‏ أنس عن أبي طلحة، وقد رواه شيبان عن قتادة فلم يذكر أبا طلحة أخرجه أحمد ورواية سعيد أولى، وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد بن مسلمة عن ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأربعة وعشرين رجلا من صناديد‏)‏ بالمهملة والنون جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع، ووقع عند ابن عائذ عن سعيد بن بشير عن قتادة ‏"‏ ببضعة وعشرين ‏"‏ وهي لا تنافي رواية الباب لأن البضع يطلق على الأربع أيضا، ولم أقف على تسمية هؤلاء جميعهم، بل سيأتي تسمية بعضهم، ويمكن إكمالهم مما سرده ابن إسحاق من أسماء من قتل من الكفار ببدر بأن يضيف على من كان يذكر منهم بالرياسة ولو بالتبعية لأبيه، وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين، وكأن الذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش، وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم من المعاندة، وطرح باقي القتلى في أمكنة أخرى‏.‏

وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على شفة الركي‏)‏ أي طرف البئر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على شفير الركي ‏"‏ والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره‏:‏ البئر قبل أن تطوى‏.‏

والأطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار، ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم‏:‏ يا فلان ابن فلان‏)‏ في رواية حميد عن أنس ‏"‏ فنادى يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام ‏"‏ أخرجه ابن إسحاق وأحمد وغيرهما، وكذا وقع عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس، فسمى الأربعة، لكن قدم وأخر، وسياقه أتم‏.‏

قال في أوله ‏"‏ تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا ‏"‏ فذكره، وفيه من الزيادة ‏"‏ فسمع عمر صوته فقال‏:‏ يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون‏؟‏ ويقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ فقال‏:‏ والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، لكن لا يستطيعون أن يجيبوا ‏"‏ وفي بعضه نظر، لأن أمية بن خلف لم يكن في القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه‏.‏

وقد أخرج ذلك ابن إسحاق من حديث عائشة‏.‏

لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبا من القليب فنودي فيمن نودي، لكونه كان من جملة رؤسائهم‏.‏

ومن رؤساء قريش ممن يصح إلحاقه بمن سمي من بني عبد شمس بن عبد مناف، عبيدة والعاص والد أبي أحيحة، وسعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن ربيعة‏.‏

ومن بني نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي‏.‏

ومن سائر قريش نوفل بن خويلد بن أسد، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، وأخوه عقيل، والعاصي بن هشام أخو أبي جهل، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي، وعلي بن أمية بن خلف، وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة، ومسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، والأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة، وأبو العاص بن قيس بن عدي السهمي، وأميمة بن رفاعة بن أبي رفاعة، فهؤلاء العشرون تنضم إلى الأربعة فتكمل العدة‏.‏

ومن جملة مخاطبتهم ما ذكره ابن إسحاق ‏"‏ حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا أهل القليب بئس عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم كنتم، كذبتموني وصدقني الناس ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قتادة‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحياهم الله‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ بأعيانهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ وتندما وذلة وصغارا ‏"‏ والصغار الذلة والهوان، وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ وسيأتي البحث في ذلك في تالي الحديث الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا قَالَ هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالَ عَمْرٌو هُمْ قُرَيْشٌ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَةُ اللَّهِ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ قَالَ النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ في رواية أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ سمعت ابن عباس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هم والله كفار قريش‏)‏ وقع في التفسير ‏"‏ هم والله كفار أهل مكة ‏"‏ ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة قال‏:‏ ‏"‏ هم لكفار قريش أو أهل مكة ‏"‏ وللطبراني عن كريب عن ابن عيينة ‏"‏ هم والله أهل مكة ‏"‏ قال ابن عيينة‏:‏ يعني كفارهم‏.‏

وعند عبد بن حميد في التفسير من طريق أبي الطفيل قال‏:‏ ‏"‏ قال عبد الله بن الكواء لعلي رضي الله عنه‏:‏ من الذين بدلوا نعمة الله كفرا‏؟‏ قال‏:‏ هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم قد كبتهم يوم بدر ‏"‏ وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي نحوه لكن فيه ‏"‏ فأما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ‏"‏ وأخرج الطبري عن عمر نحوه، وله من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم ‏"‏ والأول المعتمد، ويحتمل أن يكون مراده أن عموم الآية يتناول هؤلاء أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله‏)‏ هدا موقوف على عمرو بن دينار، وكذا ‏(‏دار البوار‏)‏ النار يوم بدر، وهكذا رويناه في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن عمرو بن دينار في قوله‏:‏ ‏(‏ألم تر إلى الذين يدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم‏)‏ قال‏:‏ هم كفار قريش، ومحمد النعمة، ودار البوار النار يوم بدر انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ يوم بدر ‏"‏ ظرف لقوله أحلوا أي أنهم أهلكوا قومهم يوم بدر فأدخلوا النار، والبوار الهلاك وسميت جهنم دار البوار لإهلاكها من يدخلها، وعند الطبراني من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال‏:‏ البوار الهلاك ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال‏:‏ قد فسرها الله تعالى فقال‏:‏ ‏(‏جهنم يصلونها‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَقَالَتْ وَهَلَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ قَالَتْ وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ ثُمَّ قَرَأَتْ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ يَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنْ النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر‏)‏ بضم أوله، وعند الإسماعيلي ‏"‏ أن عائشة بلغها ‏"‏ ولم أقف على اسم المبلغ، ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة هو الذي بلغها ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهل‏)‏ قيل بفتح الهاء، والمشهور الكسر، أي غلط وزنا ومعني، وبالفتح معناه فزع ونسي وجبن وقلق‏.‏

وقال الفارابي والأزهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم‏:‏ وهلت إليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك إليه‏.‏

زاد القالي والجوهري‏:‏ وأنت تريد غيره‏.‏

وزاد ابن القطاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الميت ليعذب في قبره‏)‏ الحديث تقدم شرحه في الجنائز، وقوله‏:‏ ‏"‏ ذلك مثل قوله ‏"‏ أي ابن عمر، وقوله‏:‏ ‏"‏ فقال لهم ما قال ‏"‏ ووقع عند الكشميهني ‏"‏ فقال لهم مثل ما قال ‏"‏ و ‏"‏ مثل ‏"‏ زائدة لا حاجة إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار‏)‏ القائل ‏"‏ يقول ‏"‏ هو عروة، يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله‏:‏ ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ مقيد باستقرارهم في النار، وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز، لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها إن الحديث إنما هو بلفظ ‏"‏ إنهم ليعلمون ‏"‏ وأن ابن عمر وهم في قوله ‏"‏ ليسمعون ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة، ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح‏.‏

ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه‏:‏ ‏"‏ قالوا يا رسول الله وهل يسمعون‏؟‏ قال‏:‏ يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون ‏"‏ وفي حديث ابن مسعود ‏"‏ ولكنهم اليوم لا يجيبون ‏"‏ ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه‏:‏ ‏"‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة، قال الإسماعيلي‏:‏ كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن، لأن قوله تعالى ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنهم الآن يسمعون ‏"‏ لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك‏.‏

وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها‏.‏

وقال السهيلي ما محصله‏:‏ إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لقول الصحابة له‏:‏ ‏"‏ أتخاطب أقواما قد جيفوا‏؟‏ فأجابهم ‏"‏ قال‏:‏ وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما بآذان رءوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم، قال‏:‏ وقد تمسك بهذا الحديث من يقول‏:‏ إن السؤال يتوجه على الروح والبدن، ورده من قال‏:‏ إنما يتوجه على الروح فقط بأن الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة‏.‏

قلت‏:‏ إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا‏.‏

وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ وكذلك المراد بمن في القبور، فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله‏:‏ ‏"‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ وهذا قول الأكثر، وقيل‏:‏ هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار، شبهوا بالموتى وهم أحياء، والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها، والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من شهد بدرا‏)‏ أي مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين مقاتلا للمشركين، وكأن المراد بيان أفضليتهم لا مطلق فضلهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُ الْأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصيب حارثة يوم بدر‏)‏ هو بالمهملة والمثلثة ابن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري بن عدي بن النجار، وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءت أمه‏)‏ هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس بن مالك، ووقع في أوائل الجهاد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس ‏"‏ أن أم الربيع بالتخفيف ابن البراء وهي أم حارثة ‏"‏ وقال‏:‏ هو وهم وإنما الصواب أن أم حارثة الربيع عمة البراء، وقد ذكرت مباحث ذلك مستوفاة هناك مع شرح الحديث‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ويحك ‏"‏ هي كلمة رحمة، وزعم الداودي أنها للتوبيخ وقوله‏:‏ ‏"‏ هبلت ‏"‏ بضم الهاء بعدها موحدة مكسورة، أي ثكلت وهو بوزنه‏.‏

وقد تفتح الهاء يقال هبلته أمه تهبله بتحريك الهاء أي ثكلته، وقد يرد بمعني المدح والإعجاب، قالوا أصله إذا مات الولد في الهبل هو موضع الولد من الرحم فكأن أمه وجع مهبلها بموت الولد فيه‏.‏

وزعم الداودي أن المعنى أجهلت، ولم يقع عند أحد من أهل اللغة أن هبلت بمعني جهلت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ حَاطِبٌ وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق ابن عباس عن عمر مستوفى، والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور، وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم، ووقع الخبر بألفاظ‏:‏ منها ‏"‏ فقد غفرت لكم ‏"‏ ومنها ‏"‏ فقد وجبت لكم الجنة ‏"‏ ومنها ‏"‏ لعل الله اطلع ‏"‏ لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ‏"‏ إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‏"‏ وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ لن يدخل النار أحد شهد بدرا ‏"‏ وقد استشكل قوله‏:‏ ‏"‏ اعملوا ما شئتم ‏"‏ فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه‏.‏

وقيل‏:‏ إن صيغة الأمر في قوله‏:‏ ‏"‏ اعملوا ‏"‏ للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور‏.‏

وقيل‏:‏ إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة‏.‏

وقيل‏:‏ هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم، وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر، فهاجر بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته، وكان قدامة بدريا‏.‏

والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي حيث قال لحيان بن عطية‏:‏ قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء، وذكر له هذا الحديث، وسيأتي ذلك في ‏"‏ باب استتابة المرتدين‏"‏‏.‏

واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في الأصول بغير ترجمة‏.‏

وهو فيما يتعلق ببدر أيضا، وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري كما نسبه في الرواية التي بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد‏)‏ كذا في هذه الرواية، ووقع في التي بعدها الزبير بن أبي أسيد، فقيل هو عمه وقيل‏:‏ هو هو لكن نسب إلى جده، والأول أصوب‏.‏

وأبعد من قال إن الزبير هو المنذر نفسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي كَثَرُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أسيد‏)‏ بالتصغير وهو مالك بن ربيعة الخزرجي الساعدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أكثبوكم‏)‏ بمثلثة ثم موحدة أي إذا قربوا منكم، ووقع في الرواية الثانية ‏"‏ يعني أكثروكم ‏"‏ وهو تفسير لا يعرفه أهل اللغة، وقد قدمت في الجهاد أن الداودي فسره بذلك وأنه أنكر عليه، فعرفنا الآن مستنده قي ذلك وهو ما وقع في هذه الرواية، لكن يتجه الإنكار لكونه تفسيرا لا يعرفه أهل اللغة وكأنه من بعض رواته، فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع ‏"‏ يعني غشوكم ‏"‏ وهو بمعجمتين والتخفيف وهو أشبه بالمراد، ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال‏:‏ إذا أكثبوكم فانضحوهم عنكم بالنبل ‏"‏ والهمزة في قوله ‏"‏ أكثبوكم ‏"‏ للتعدية من كثب بفتحتين وهو القرب، قال ابن فارس‏:‏ أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه، فالمعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فارموهم واستبقوا نبلكم‏)‏ بسكون الموحدة فعل أمر بالاستبقاء، أي طلب الإبقاء، قال الداودي‏:‏ معنى قوله ‏"‏ ارموهم ‏"‏ أي بالحجارة لأنها لا تكاد تخطئ إذا رمي بها في الجماعة، قال، ومعني قوله‏:‏ ‏"‏ استبقوا نبلكم ‏"‏ أي إلى أن تحصل المصادمة، كذا قال‏.‏

وقال غيره‏:‏ المعنى ارموهم ببعض نبلكم لا بجميعها‏.‏

والذي يظهر لي أن معنى قوله ‏"‏ واستبقوا نبلكم ‏"‏ لا يتعلق بقوله‏:‏ ‏"‏ ارموهم ‏"‏ وإنما هو كالبيان للمراد بالأمر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم، أي إنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا، فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبا، وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبا فارموا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد، وذكر طرفا منه، وسيأتي بتمامه في غزوة أحد والمراد منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة‏:‏ سبعين أسيرا وسبعين قتيلا‏)‏ هذا هو الحق في عدد القتلى، وأطبق أهل السير على أنهم خمسون قتيلا يزيدون قليلا أو ينقصون، سرد ابن إسحاق فبلغوا خمسين، وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة، وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل‏.‏

وقول البراء إن عدتهم سبعون قد وافقه على ذلك ابن عباس وآخرون‏.‏

وأخرج ذلك مسلم من حديث ابن عباس‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها‏)‏ واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد، وأن المراد بأصبتم مثليها يوم بدر، وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا، وبذلك جزم ابن هشام، واستدل له بقول كعب بن مالك من قصيدة له‏:‏ فأقام بالطعن المطعن منهم سبعون عتبة منهم والأسود يعني عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وقد تقدم اسم من قتله‏.‏

والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب‏.‏

ثم سرد ابن هشام أسماء أخرى ممن قتل ببدر غير من ذكره ابن إسحاق فزادوا على الستين فقوى ما قلناه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا جدا، وقد تقدمت الإشارة إليه في الهجرة، فإنه علق طرفا منه هناك‏.‏

وأورده في علامات النبوة بتمامه فأحلت شرحه على غزوة أحد، ولم يذكر في غزوة أحد منه هذه القطعة التي ذكرها هنا، وسأذكر شرحها في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يعقوب بن إبراهيم‏)‏ كذا لأبي ذر والأصيلي، وللباقين ‏"‏ حدثنا يعقوب ‏"‏ غير منسوب، فجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن كاسب، وبه جزم الحاكم عن مشايخه، ثم جوز أن يكون يعقوب بن محمد الزهري‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي ما يقويه‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وقد ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب بن حميد، فقلت له‏:‏ إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وجزم ابن منده وأبو إسحاق الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد، وهو متعقب بما وقع في رواية الأصيلي وأبي ذر‏.‏

وقال أبو علي الجياني‏:‏ وقع عند ابن السكن هنا ‏"‏ حدثنا يعقوب بن محمد ‏"‏ وعند أبي ذر والأصيلي ‏"‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‏"‏ وأهمله الباقون‏.‏

وجزم أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ بأنه ابن إبراهيم، وجوز أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال‏:‏ وهو غلط، فإن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري، وقد روى له الكثير بواسطة، وبني الكرماني على أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال‏:‏ هذا السند مسلسل بالرواية عن الآباء، ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي انتهى‏.‏

وقد تقدم في أواخر الصلاة في ‏"‏ باب الصلاة في مسجد قباء ‏"‏ وفي المناقب في ‏"‏ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي ‏"‏ التصريح بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي فقال البرقاني في ‏"‏ المصافحة ‏"‏ يعقوب بن حميد ليس من شرط الصحيح، وقد قيل إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقطت الواسطة من النسخة لأن البخاري لم يسمع منه انتهى‏.‏

والراجح عدم السقوط وأنه إما الدورقي وإما ابن محمد الزهري، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه عن جده‏)‏ أبوه هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدمت الإشارة في الباب الماضي إلى أن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هذا الحديث أيضا عن أبيه، وأنه ساقه في الحمس بتمامه‏.‏

وقوله في هذه الرواية فكأني لم آمن بمكانهما أي من العدو‏.‏

وقيل‏:‏ مكانهما كناية عنهما، كأنه لم يثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو ثم وجدت في مغازي ابن عائذ ما يرفع الإشكال، فإنه أخرج هذه القصة مطوله بإسناد منقطع وقال فيها فأشفقت أن يؤتي الناس من ناحيتي لكوفي بين غلامين حديثين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصقرين‏)‏ بالمهملة ثم القاف تثنية صقر، وهو من سباع الطير وأحد الجوارح الأربعة وهي الصقر والبازي والشاهين والعقاب، وشبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه وأول من صاد به من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي، ثم اشتهر الصيد به بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عَسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسًى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ قَالَتْ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلَاةَ وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ذَكَرُوا مَرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي شرحه بتمامه في غزوة الرجيع، والغرض منه هنا قوله فيه‏:‏ ‏"‏ وكان قد قتل عظيما من عظمائهم ‏"‏ فإنه سيأتي في الطريق الأخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر، والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين في قول ابن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو بن جارية‏)‏ بالجيم‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عمرو بن أبي أسيد بن جارية ‏"‏ وكذا للأصيلي، وهو نسب إلى جده، بل هو جد أبيه لأنه ابن أسيد بن العلاء بن جارية، ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي ‏"‏ عمرو بن أبي سفيان ‏"‏ وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم‏.‏

وأسيد بفتح الهمزة للجميع، وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه ‏"‏ عمرو ‏"‏ بفتح العين وقال بعضهم عمر بضم العين، ورجح البخاري أنه عمرو، وكذا وقع في الجهاد في ‏"‏ باب هل يستأسر الرجل ‏"‏ للأكثر عمرو، أما النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا‏:‏ ‏"‏ أخبرنا ابن أسيد ‏"‏ وقال ابن السكن في روايته ‏"‏ عمير ‏"‏ بالتصغير، والراجح عمرو بفتح العين، وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عشرة عينا‏)‏ سيأتي بيانهم في غزوة الرجيع، وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لأمه، قال‏:‏ وهو وهم من بعض رواته فإن عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده لأن والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت أخت عاصم، وكان اسمها عاصية فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قال عياض‏:‏ إذا قرئ حد بالكسر على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم‏.‏

الحديث السادس‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا‏)‏ هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته، وسيأتي موصولا في غزوة تبوك مطولا، وكأن المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك إلى الزهري فرد ذلك بنسبة ذلك إلى كعب بن مالك، وهو الظاهر من السياق فإن الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده، والأصل عدم الإدراج فلا يثبت إلا بدليل صريح، ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد‏.‏

فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك ومن الأمر بهجرهما كما وقع له تأسى بهما‏.‏

وأما قول بعض المتأخرين كالدمياطي‏:‏ لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه، فقد جزم به البخاري هنا وتبعه جماعة، وأما قوله‏:‏ وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا، فحصر مردود، فإن الذي ذكرهما كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهو من شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق نسبه إلى الأوس ثم قال‏:‏ شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم‏.‏

وقد استقريت أول من أنكر شهودهما بدرا فوجدته الأثرم صاحب الإمام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانئ، قال ابن الجوزي‏:‏ لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت الأثرم ذكر الزهري وفضله وقال‏:‏ لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع، فإنه ذكر أن مرارة وهلالا شهدا بدرا، وهذا لم يقله أحد، والغلط لا يخلو منه إنسان‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن قوله شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري، وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته، واحتج ابن القيم في الهدى بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة، قلت‏:‏ وهو قياس مع وجود النص، ويمكن الفرق، وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتْ الْجُمُعَةُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر له‏)‏ بضم أوله ولم أقف على اسم ذاكر ذلك، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ وكان بدريا ‏"‏ وإنما نسب إلى بدر وإن كان لم يحضر القتال لأنه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم، كما تقدم قريبا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسسان الأخبار، فوقع القتال قبل أن يرجعا، فألحقهما النبي صلى الله عليه وسلم بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني يونس إلخ‏)‏ يأتي شرحه مستوفى في العدد من كتاب النكاح، والغرض منه ذكر سعد بن خولة وأنه شهد بدرا، وقد وصل طريق الليث هذه قاسم بن أصبغ في مصنفه فأخرجه عن مطلب بن شهيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أصبغ عن ابن وهب‏)‏ وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن أصبغ بن الفرج‏.‏

الحديث التاسع‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث‏)‏ وصله المصنف في ‏"‏ التاريخ الكبير ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ قال لنا عبد الله بن صالح أنبأنا الليث ‏"‏ فذكره بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسألناه فقال حدثه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حدثني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البكير‏)‏ بالتصغير وضبط أيضا بكسر الموحدة وبتشديد الكاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبوه شهد بدرا‏)‏ زاد في التاريخ أنه سأل أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر، و ‏"‏ مثله ‏"‏ يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثا لم تصلح له المرأة فاقتصر المصنف من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله‏:‏ ‏"‏ وكان أبوه شهد بدرا ‏"‏ وقد روى هذا الحديث قتيبة عن الليث عن ابن شهاب بغير واسطة وساقه مطولا، والله أعلم‏.‏